عبدالرزاق العزعزي:
في إحدی القنوات الفضائية تحدّث حمود المخلافي، وهو قائد مقاومة
تعز، عن سبب تأخّر الإنتصار علی الحوثيّين وتحرير المحافظة، لنُفاجأ بأن
السبب ليس نقصًا في السلاح، ولا خذلان المحافظة من التحالف أو الشرعية، ولا
الأخطاء التكتيكية في الحرب، ولكن السبب هو: الذنوب!
لكن هل كان يقصد بالذنوب المعاصي أم اخفاقات المقاومة؟
يبدو
قائد المقاومة التعزية متخوّفًا من كشف حقيقة تأخّر انتصارهم، أو غير مدرك
لماهية الأسباب التي عملت علی تأخير الحسم، أسوة بباقي المحافظات. لكن
يبدو أن فترة النقاهة التي قضاها في السعودية جعلته يفهم، بدقّة متناهية
وغير قابلة للنقض، لماذا تأخّر الحسم: بسبب الذنوب؟
الأحری أن نتحدّث
بلغة واضحة وأن نسمّي الأشياء بمسمّياتها. في حال كانت الذنوب هي إخفاقات
المقاومة أو عدم جدّية التحالف أو تخلّي الشرعية عن تعز وجرحاها الذين
يدافعون عن الشرعية، لا يجب أن يكون حديثنا بشكل سطحي وغير منطقي. ومسألة
نقد كلام قائد مقاومة تعز ليس تعرّضًا له، بقدر ما هو دفاع عن حقّ أبناء
تعز في السلام. كان يمكن أن يقول إن تعز لم تتحرّر بسبب نقص السلاح، وهذا
بحدّ ذاته قد يعفي أيّ قائد عند سؤاله عن سبب الإخفاق في أيّ معركة.
حسنًا، كيف ستتمّ التوبة من الذنوب؟
تبرير مثل هذا يكشف لنا مدی عقلية الرجل وأتباعه.لا نختلف حول شجاعة الرجل في الميدان، كما نُشاهد في الصور والفيدوهات المتعدّدة التي يتناقلها الكثيرون، ولكنّنا نختلف حول إدارة الصراع وأدواته، حول التبريرات غير المنطقية وغير الشجاعة كما هي عادته، حول التقدّم ثمّ التراجع، حول الإدّعاءات الكثيرة غير الموثّقة، وغير واضحة المصدر والجاني.
تبرير كهذا، يجعلني أتخيّل أن الخطّة الإستراتيجية للمقاومة هي، أوّلًا، القضاء علی الذنوب التي تحويها تعز، ثم الإستعانة بالله، وانتظار الإنتصار حتّی يأتي من السماء.
ماهي ذنوب تعز؟
وصل المخلافي لهذه المعرفة بعد التأمّل المتواصل. يشدّني هذا للتأمّل حول ماهية الذنوب. سأتأمّل قليلًا لمعرفة ذنوب تعز:
ذنبها أنّها نقلت الصراع بين علي صالح، وبين شقيقه علي محسن الأحمر، في 2011، إلى أراضيها.
ذنبها أنّها نقلت الحرب بين الحوثيّين وعلي صالح من جهة، وبين الإصلاحيّين والسلفيّين من جهة أخری، إلى أراضيها.
ذنبها أنها قاومت كلّ ضغوطات الإصلاح لتعيين محافظ إصلاحي عليها، ومدير للأمن يتبع علي محسن، شقيق علي صالح.
سيطر الحوثيّون علی الدولة أو انقلبوا، لا نهتمّ بالمصطلحات بقدر اهتماممنا بماذا يحدث. المهمّ أن تعز لم تنتفض، حتّی أعلنت السعودية عن عاصفة الحزم، لتتشكّل المقاومة فيها. إذن، ذنب تعز أنّها تحوي مرتزقة ومرتهنين للخارج وليس قادة مقاومة، تهمّهم مدينتهم وأبناؤها.
ذنبها أنّها مدينة يتصارعون عليها منذ احتجاجات 2011.
المنحازون يبرّرون كلّ أخطاء الأفعال والأقوال... لا مجال لديهم للملاحظات علی الأخطاء، أو علی الأقلّ التزام الصمت حيالها.
صدّعونا بحملاتهم علی المحايدين، واليوم أغلبهم يصدّعنا بأن تعز تحوي بالفعل "ذنوباً". الإنحياز للمقاومة ليس جريمة، ولكن الإنحياز للأشخاص، أيّاً كانوا، والتبرير لإخفاقاتهم وأخطائهم، خطأ بحدّ ذاته.
إنتفضت مقاومة تعز في يومين بعد وصول الحوثيّين إلی السعودية قبيل مفاوضات الكويت، وقامت بتحرير عديد من المناطق، ثم فجأة تراجعت المقاومة عن الأماكن التي سيطرت عليها، لماذا؟
نهتمّ لتعز، كما نهتمّ لصعدة ومأرب ونهم والجوف وعدن وحضرموت وصنعاء والحديدة وكلّ اليمن، نهتمّ أن يعمّ السلام في كلّ مناطق اليمن، بل في كلّ مناطق العالم، ولكن هل سيسمح تُجّار السلاح ومرتزقة الحروب بأن يعمّ السلام؟
رسالة:
يقول أرسطو إن غاية الحرب هي السلم، لكنّه تحدّث عن الحرب وليس الإرتزاق في إطالة الحرب، وكما قال سون وو: ليكن همّك الأوّل والأكبر في الحرب هو تحقيق النصر، لا إطالة أمد الحملات العسكرية.
..
منشور في موقع العربي - السبت 28-05-2016
ليست هناك تعليقات :