Blogger templates

16 أكتوبر 2016



عبدالرزاق العزعزي:
 
"سيدتي: إني أحد الرجال الذين عملوا في السلك الصحفي وكنت "رئيس تحرير صحيفة التيار الوحدوي" وأيضًا كنت من الناس الذين يمارسون العمل السياسي وكنت "رئيس اللجنة القيادية لتيار فتاح" أحد تجنحات الحزب الاشتراكي وربما تذكرين ذلك".
هكذا؛ قدّم الفقيد "محمد غالب غزوان" نفسه، ذات رسالة خطها من زنزانة السجن المركزي بصنعاء لوزيرة حقوق الإنسان بعد إن وصل احتجازه حتى العام السابع، عاش فيها بعد تهمة كاذبة وصفها بأنها "حُبكت من أيادٍ ملطخة بالجرم وتم القبض عليَّ في مطار صنعاء وأنا عائد من السعودية من قبل الأمن السياسي وتم إحالتي الى القضاء وقد أستقر حكم القضاء في الإستئناف بأن أدفع مبلغ "مليون وستمائة ألف ريال يمني" لأن الحكم الإبتدائي قضى ببرائتي ولم يصدر في حقي أمرًا بالسجن حتى ساعة واحدة وما زلت في السجن منذ سبع سنوات".
الرجل البسيط "محمد غزوان" رحَل إلى تحت التراب، فاجئنا الأسبوع المنصرم بقرار رحيله المُحزن بعد أن صارع المرض طويلًا، صارعه وحيدًا، منتقلًا بين مستشفى الثورة العام بصنعاء ومستشفيات القاهرة، صارعه على نفقته الخاصة، ونضاله الطويل من أجل اليمن ووحدتها لم يسعفه للحصول على أي اهتمام حكومي؛ عدا مذكرة رئاسية أخيرة صدرت قبل يومين من وفاته.
قراره بالرحيل، كان علاجه الوحيد، وقبل ثلاثة أيام من رحيله تم ادخاله مستشفى الثورة بصنعاء بعد ان تردت صحته إلى أدنى المستويات وانخفاض الدم إلى نسبة 3 ما استدعى تزويده بالدم وتقديم النصح من الأطباء لنقله إلى "الهند" بأسرع وقت ممكن لأجراء زراعة النخاع بعد حصوله على متبرع، ولم يتوفر له العلاج بسبب عدم توفره في مركز الأورام السرطانية أو المؤسسة الخاصة السرطان أو مركز الأمل للسرطان بحسب ما نقلته الزميلة الوسط.

غزوان الإنسان:

"غزوان لم بكن فقط صحفيًا بل انسانًا، كان صوت للحقيقة، معلم للأجيال، سنترحم عليه كل يوم لاننا لم نفقد صحفي بل فقدنا الحقيقة كلها" هذا ما قاله "حمزة الكمالي".
ولد محمد غالب غزوان في "عدن" حي "نجوى مكاوي" وهو من أصل حضرمي، ورغم انتمائه للجنوب إلا أنه كان معارضًا لمشروع الانفصال أو الفيدرياليات، أتذكر أنه ذات نقاش حاد بينه وبين الزميل ماجد الشعيبي الحالم بالانفصال؛ قال بصوتٍ غالٍ للغاية: "أنتم شوية جهلة مش داريين أيش الموضوع، الوطن هذا احنا ناضلنا عشان وحدته وقوته وأنتم اليوم تناضلوا عشان تقسموه".
عاش في منزل مليء بالأشجار يقع في باب اليمن - حي قريش بالعاصمة صنعاء، وهو مقر مؤسسة "إراف" التي أسسها في خضم ثورة 2011 بمعية آخرون بهدف دعم الأجندة العالمية لحقوق الإنسان ورفد المجتمع بدراسات مجتمعية كان يعمل عليها أثناء عمله الصحفي الاستقصائي التي تطلبت منه زيارات ميدانية لعديد من المناطق في الجمهورية اليمنية، احتضن في مكان اقامته عديد من الطلبة واعانهم وشجعهم على استكمال دراستهم الجامعية والعمل بمهنية.
مواقفه الإنسانية الداعمة لحالة الشباب الاقتصادية أتت بعد أن عانى كثيرًا من تدهور حالته المادية، وحين بدأ العمل -عقب خروجه من السجن- لم ينسَ أيامه الماضية، استحضرها بقوة وبدأ في مساعدة من حوله، لم يكن وضعه المادي قد تحسّن كثيرًا لكنه قاسمهم ما لديه، فكان أبًا للجميع.
كنت أحد الذين يرتادون المنزل والإقامة فيه ربما لأيام، روحه الشبابية المرحة والكريمة كانت السبب في ترددنا عليه رغم الفارق الكبير في السن؛ ورغم ذلك كان يبدو بأنه من جيلنا، مؤمنًا بحقوقنا وأفكارنا الجديدة ويدعم بقوة أي توجه ضد العبث الحاصل بالمواطنة أو بالحقوق الإنسانية المكفولة للجميع دون تمييز.
"مراد حسين الشعيبي" زميل صحفي وطالب في المستوى الرابع بكلية إعلام صنعاء، منذ سنواته الدراسية الأولى وهو يرتداد على ذاك المنزل، تألم كثيرًا حين تركنا "غزوان" ورحل، قال للصحيفة: "غزوان كان منبرًا للكلمة الحرة، كرّس حياته للدفاع عن الحقوق والحريات، كان أبًا فاضلًا ورجلًا حكيمًا، لم يكن ليخشى لومة لائم في كتاباته المهنية، لقد حمل على عاتقه قضية وطن تكاثر فيه الفتن لدرجة أنه ينام وهو حزين من ما آل إليه وضعنا الحالي ومشروع تقسيم اليمن".
يُعد المحامي علي الرازحي أحد أصدقائه وضمن مؤسسي "مؤسسة إراف" اختصر حديثه عن غزوان بأنه "صحفي مرموق، قلمه يتناول ظاهرة الفساد المالي والإداري" وناشد الصحفيين بأن يكملوا دوره في تناول المواد الخاصة بمكافحة الفساد من خلال التحقيقات.

غزوان الصحفي:

"لقد رحل غزوان مُتعَباً، بينما غزوات الموت تستبيحنا من كل الجهات، فيا ترى، من يستطيع اليوم أن يستطلع آراء الناس وحزنهم -مثله- في رحيله؟ أكاد أختنق، تبًا لك أيها الموت" هكذا قال "عمار الأصبحي" بحق من لا يعرف شخصيته؛ بل يعرف اسمه فقط.
بعد خروج غزوان من السجن؛ حدثني عن عرض تلقاه من الجنرال "علي محسن" يقضي بدعمه لفتح صحيفة إلا أنه رفض، وبحسب ما قال فإن رفضه كان بسبب أنه أهدر سبع سنوات في السجن علمته أن يظل "صحفي حر" ولا يحاول تسخير مهنته للانتقام من النظام.
عمل منذ سنوات مع عدة صحف يمنية واشتهر بالتحقيقات الاستقصائية والملفات الميدانية من عدة مناطق يمنية، ويعد أحد أبرز الصحفيين اليمنين الذين يمارسون المهنة وله الكثير من التغطيات الميدانية وسبق أن غطى الحروب الستة ضد صعده الثورة الشبابية وأخيرًا القاعدة  في أبين وبقية المناطق وله ملفات صحفية أثارت ضجة كبيرة وعالجت الكثير من القضايا التي تشهد فساداً كبيراً في المؤسسات  الحكومية.
جثمانه الذي توارى، الأربعاء في مقبرة الصياح بصنعاء، نعاه عديد من الزملاء والمؤسسات الإعلامية، نعاه أيضًا المتابعين لمواده الصحفية، وللصحيفة قال "عمار الأصبحي": لم أتشرف بمعرفته عن قرب، لكنه صحفيًا يشد الانتباه من خلال كتاباته واستطلاعاته المهمة، احتفظت له بالكثير من الاستطلاعات والتقارير، أعود إلى تفاصيلها بين حين وآخر خصوصًا أثناء تواجدي بالقرية، كنت أقرأهُ مع أصدقائي هناك وبإجلال، أشيد به دومًا وبمهنيته كمؤسسة صحفية.
قال أيضًا: محمد غزوان صحفي قدير انشغل بنا كثيرًا فتناثر حبرًا حالمًا على كل الجهات، ولزهده بالطبع قرر مغادرتنا بغتة هكذا كي لا ننشغل به. هو لم يمت؛ لكنه قرر المضي بعيداً وراء ظله، على "قيد" حياة لم يعشها هناك كحرية لا تهم أحداً غيره.
في 2010 تعرّف عليه "سامي القرشي" قال عنه: "كان يعمل في "صحيفة الوسط" وكان من أشرف وأنبل الصحفيين الذين عرفتهم في ذلك الوقت، شغله الشاغل هو العمل على فضح الفساد والفاسدين. فتح الكثير من الملفات في عدة وزارات ومرافق حكومية ولوكان لدينا جهات رقابة ومحاسبة حقيقية لكان الكثير من الفاسدين يقبعون خلف القضبان، كان لا يعتمد على تلقي المعلومة فقط بل يقوم بالنزول إلى الجهة بنفسه، ورغم ما يتعرض له من مخاطر وتهديدات إلا أنه لم يتوانى في نشر الحقيقة للناس".
الزميل "محمد سعيد الشرعبي" كان أحد الذين عملوا معاه في إحدى الصحف قال عنه: "كان غزوان من أشجع وأبرز الصحفيين الميدانيين في السنوات الأخيرة، وكان يتحمل كافة المتاعب والمكابدات من أجل الوصول إلى قلب الأحداث والمناطق النائية والخروج بمواد صحفية مميزة، عرفته منذ كنا نعمل معًا قبل أكثر من خمس سنوات في صحيفة الوسط فأعجبني حرصه على البحث عن الحقيقة ونقل الواقع كما هو دون أي اجتزاء أو تمييع للمعلومات، والأروع فيه أنه كان يتنقل بين المحافظات لإعداد تحقيقات ميدانية بأقل التكاليف".
قال أيضًا بأنه شخصية بسيطة، شجاعة، مثابرة، عرف مرارة العمل في مهنة المتاعب ودفع ثمن باهضًا لشجاعته وطموحاته الصحفية.
الرسام الكاريكاتوري "سامر الشميري" عمل معه مؤخرًا في صحيفة "اليمن اليوم" قال بأنه من أطهر الناس الذين عرفهم في عالم الصحافة واعتبره شهيد الكرامة وعزة النفس ورجلًا وحدويًا إلى النخاع من منظور عادل، وقال: "المعاناة المرضية التي عاناها هي أكثر ما يشعرك بالألم والحزن والغيض من هذه الدولة التي لا تهتم بكوادرها".

آخر لحظاته:

قضى لحظاته الأخيرة داخل مستشفى الثورة العام، ادخل إليها على نفقته ولم يتمكن من الحصول على سرير في المستشفى الحكومي، لم يحصل على العلاج منذ أسابيع بحسب ما تطرقت إليه وسائل الإعلام.

آخر كلماته:

عاش آخر لحظاته بصعوبة ووحدة قاسية، الأكثر مرارة من ذلك أنه عاشها بعزيمة منهارة وروح لا تقوى على النضال من جديد، فكانت آخر كلماته كما ذكرها الزميل "عاصم الشميري" أنه قال: "الموت أهون عليا من تقسيم اليمن وهذه الدولة التي لم تنظر لي أثناء سجني لن أنتظر منها أن تنظر لي الآن وأنا مريض، ولستُ من الذين يتاجرون بأمراضهم".
وأكد ذلك "مراد الشعيبي" الذي قال: "كانت كلماته الأخيرة هي: أمي اليمن لا للتجزءة ولا للأقلمة، وليخسئ أصحاب المهمات القذرة" .
. .
تم إعداد المادة لصحيفة حديث المدينة في يناير 2015

عن المدون عبدالرزاق العزعزي

صحفي من اليمن، مهتم بالقضايا المجتمعية
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد