عبدالرزاق العزعزي:
يبدأ
الإنسان باكتساب شكل حياته وتصرفاته ومعتقداته وأفكاره المُختلفة عندما يكون
صغيرًا، وتُعد المدرسة واحدة من أهم الأماكن التي تقوم بصناعة شخصية الطفل وتمنحه شكله
المُستقبلي وكيف يجب أن يكون وأين يجب أن يضع نفسه.
في
صباح أول يوم دراسي، يستيقظ الطفل وبداخله شعور بأنه ذاهب لمكان جديد، مُخيف، لمهام وواجبات يومية، ويكون هذا الخوف هو الدافع للانصياع لأوامر وطلبات المُدرسين، فهم سيعاقبونه بالتوبيخ أو بالدرجات الناقصة أو بالضرب كما يحدُث في اليمن، ولم
يعتد الطفل بعد على تلقي أوامر من أناس لا يعرفهم ومع ذلك يجب تنفيذها.
في
مثل هذه الحالات يكون الطفل مُهيأ لتلقي أي أفكار واستيعابها، ومع تكرار الرسائل
يتكوّن لديه اعتقاد، ثم يؤمن به بشدة. ولو نظرنا إلى التعليم في اليمن وإلى الطرح
الذي يتلقاه الطفل أثناء هذه المرحلة المُهمة، سنعرف حينها أن التعليم في اليمن
يقود عملية تعبئة، ولا يُقدّم مناهج تخدم مستقبل الأطفال أو مستقبل اليمن.
سنعرف
أيضًا أن نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يقومون بعملية صناعة مستقبل الطفل، هم غير
مؤهلين تمامًا لهذه المهمة، مع كامل احترامنا وتقديرنا لدور المدرسين الذين
مازالوا يقومون بعملية التحصيل العلمي رغم انقطاع رواتبهم، لكن هذا الأمر لا
يعفيهم عن تقصيرهم في بناء طفل مؤهل معرفيًا، وليس طفل وظيفته تأدية حفظ المنهج
وتطبيقه.
المناهج
في اليمن تم اعدادها بطريقة رديئة، ويتحمّل هذا الأمر اللجنة العُليا للمناهج،
لماذا يجب على الطلاب أن يدرُسوا مناهج تخدُم أطراف وأفكار دينية ولا تخدم مستقبل
الوطن، لماذا يتم الاهتمام بصناعة شخصية لا تتناسب مع عالمنا الذي يحكُم العالم
بالعلم وليس بالتبعية، بالإعلام وليس بالصواريخ البالستية التي تحمل رؤوس
نووية.
واقع
يصنع فيه المشاهير وأصحاب المؤسسات الإعلامية توجّه عام، يتم فيه السيطرة على
الناس بالقول وليس بالترهيب أو السلاح، «صورة واحدة حرّكت العالم كما لم تحركه كل
النداءات»، لماذا لا تكون العملية التعليمة هي صناعة شخصيات بهذا النمط، قادرة على
التأثير بالإعلام والناس، بالذكاء وليس بالجهاد أو الحروب أو أن يعتنق دين مُحدّد
أو طائفة مُحدّدة.
التقصير
في تقديم مناهج عصرية تتحمله لجنة صياغة المناهج، عليها أن تُعيد النظر في مناهجها
أو تحترم الأطفال ومستقبل اليمن وتتنازل عن مناصبها. إن سياسة لجنة الصياغة يتحكم
بها أُناس لم يُدركوا بعد أن القوة هي الصوت والصورة، وليست الحروب أو الانتصار
لما يؤمنون به، لم يدركوا بعد أن كوريا الجنوبية استطاعت بعلمها أن تخترق كل
العالم بأدواتها التكنولوجية، بينما كوريا الشمالية بسلاحها لم تتمكن من عبور
حدودها.
تكريس الخطأ:
أفكار
الجماعات الدينية في اليمن تتحكم في اختيار نوع المناهج وأحيانًا نوع من يُقدم
المنهج «المُدرّس»، وبدلًا من أن يتعلّم الطالب كيف يكون ناجحًا ومخترعًا ورياضيًا
ومُفكًرًا وفيزيائيًا، يتعلّم كيف يُصبح مثل أبو «زُعيط» في جبهة "مُعيط".
يدرُس
الطالب كيف يدخل الحمام بدلًا عن كيف يفتح مدونة ويبدأ بمتابعة العالم، يدرس كيف
يحفظ المنهج بدلًا من أن يحفظ القوانين الدولية ودستور بلاده ومعرفة حقوقه
وواجباته، وبدلًا من أن يدرس البروتوكلات والمعاملات المالية والمنظمات الدولية
يدرس قصة المرأة التي دخلت النار بسبب أنها حبست قطة.
كانت
المعاهد العلمية تستهدف بناء عقيدة مُحددّة للأطفال على غرار المدارس الحكومية،
وسُجّلت حالات كثيرة تم فيها استقطاب طلاب للمشاركة في حروب مُختلفة خدمة
لايدلوجية تيار الإخوان المسلمين، وحاليًا تم تسجيل حالات استقطاب طلاب من المدارس
للمشاركة في جبهات القتال خدمة لحركة أنصار الله، كما تم استخدام المدارس كثكنات
عسكرية ومراكز قتالية وسجون في محافظة واشترك بهذا الأمر كل من الحوثيين وفصائل من
المقاومة في تعز.
هذا
الأمر يجب أن يتم مواجهته برفض مجتمعي متكامل غير منقسم، يجب أن يتم تحييد التعليم
وفصله عن خدمة العقيدة والسياسة، يجب أن يبقى التعليم في خدمة مستقبل الأطفال حتى
لا يكونوا قنابل مؤقتة تنفجر فجأة وتُسبّب ألما كبيرًا لوالديهم، يجب أن تكون
المواد الدينية هي مواد اختيارية للطلاب وليست إلزامية حتى لا يتم التسلّل منها
والتأثير على عقول الأطفال وصناعة ثقافة جهادية بدلًا من صناعة فاعلين ومؤثرين في
المجتمع بمجالات التكنولوجيا والمجالات الأخرى.
هي
دعوة نوجهها إلى المتصارعين: احموا مستقبل أطفالكم وهؤلاء الصغار، لا تدفعوهم إلى
العِداء بل إلى المحبة، ولا إلى الانقسام بل إلى التوحّد، لا إلى الكراهية بل إلى
التعايش والسلام المجتمعي والإنساني.
دعوة
نوجهها للمدرسين: أنتم الآلات العظيمة التي تصنع مستقبل هؤلاء الصغار، اصنعوا
أطفال لديهم طموح وأهداف واقعية وامنحوهم أفكار ايجابية تُساعدهم على تنمية خيالهم
ومهاراتهم اللغوية من خلال حثّهم على القراءة خارج المنهج ومناقشة ما قرأوه مع
البقية حتى تعُم الفائدة، أنتم يا نقابة المعلمين عليكم تأهيل المدرسين ومتابعتهم
بشكل مستمر وتقييم عملهم ثم تكريم المتفوقين منهم ومنحهم الدافع للتأهيل، أنتم يا
وزارتي التربية والشئون الاجتماعية، يا صندوق النشء عليكم التنسيق مع النقابة
لدعهم بكل ما يحتاجون واستلام تقارير الانجاز الدورية.
دعوة
نوجهها للوالدين: علّموا أطفالكم القراءة، اهدوهم في أعياد ميلادهم كتب، وكافئوهم
على معرفتهم بدلًا عن مُكافئتهم نظير الخدمة أو السمع والطاعة، ناقشوا أفكار
أطفالكم بشكل يومي، أو اسبوعي واعرفوا ما يدور في خيالهم حتى لا يقعوا ضحية لأفكار
مُتطرّفة دون علمكم وتخسروهم، ونُذكّركم بأهمية صناعة طفل يُفكّر بمستقبل يبنيه
وأهداف يُنجزها بدلًا من ماذا يقول قبل أن يأكل أو يشرب وكيف يكسب ودّ والديه.
..
تم نشر هذا المقال في موقع العربي
..
تم نشر هذا المقال في موقع العربي
ليست هناك تعليقات :