![]() |
صورة الكاتب: عبدالرزاق هاشم العزعزي |
ثورة الشباب الجامعي في اليمن التي انطلقت مع انطلاقة الثورة في تونس لم تستطع أوراق النظام العبث بها أو ترهيبها.. فمنذ تلك الفترة اُستخدمت عدة أوراق تنوعت بين الاعتقالات والاعتداءات والتهديدات ومحاولة استعراض عضلات لجمهور شمالي يهتف باسم الرئيس تم شراءهم والقادة المباشرون عليهم بمبالغ ضخمة للغاية ومن خزينة الدولة أيضاً.
القاعدة الشعبية استجابت لثورة الشباب ومن بعدها استجاب الناشطون السياسيون وأعضاء برلمان مجلس النواب وبعض الشرفاء من أحزاب الحاكم والمشترك، حتى اللقاء المشترك استجاب لهذه الثورة ودعا كل أنصاره للخروج بعد مجزرة "المعلا" التي أقدم الحاكم على ارتكابها مساء الجمعة الماضية ترهيباً لأبناء محافظة نعرف جيداً أنهم مسالمون للغاية.
الحاكم كان يعي جيداً أن أبناء عدن لا يحملون أي سلاحاً؛ عدا المعرفة وتقديرهم لذاتهم التي لا يبيعوها لقتل إخوانهم؛ كما حدث في أعمال بلطجة صنعاء التي قادها حافظ معياد وأشباهه؛ لذا لجأ لاستخدام السلاح وعزل المديريات عن بعضها.
ورقة لم تكن رابحة؛ بل قلبت الموازين وجعلت من الشرفاء ينضمون لثورة الشباب.. وقبلها استخدم النظام ورقة إثارة المناطقية ضد أبناء تعز "البراغلة" التي أيضاً قلبت الموازين على النظام وهيّجت كل النخب – عدا البلاطجة – ضد النظام.
إحدى أوراق اللعب وتمييع الثورة استطاعت – نوعا ما – تشتيت مطالب الشباب، كان ذلك حين اعتقال توكل كرمان إثر مشاركتها مع اعتصام سلمي دعا إليه ناشطون سياسيون شباب من كلية إعلام صنعاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. واستطاعت هذه الورقة تحويل مسار المطالبة بإسقاط النظام إلى الإفراج عن "توكل كرمان" فقط.. لكن الثورة المصرية التي أطاحت بحسني مبارك أعادت دماء الثورة من جديد وصنعت أملاً جديداً يصرخ "بعد مبارك يا علي"..
تعقد الأمر كثيراً على الرئيس وكان يجب عليه أن يتواضع قليلاً ويستخدم ورقة أخرى وهي فتح قصره الرئاسي والاستماع لشكاوي الناس، وأيضاً عقد اجتماعات متواصلة مع ناشطين مجتمعيين ومؤثرين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي بمكتبه الخاص؛ بيد أن الأمر لم يكن كافياً لوقف الغضب المتدفق يومياً لساحتي الحرية والتغيير وساحات النضال السلمي في اب وعدن وحضرموت والحديدة وكل محافظات الجمهورية.. أيضاً الاجتماعات كانت تقام في صنعاء وسط تهميش حقيقي لبقية المحافظات التي لا يعطيها النظام أي مبدأ للتحاور باستثناء قوة السلاح.
ورقة دينية قبل الأخيرة..
مؤخراً ظهر على الرئيس ارتباكاً واضحاً وقام بعقد مؤتمراً مع جمعية علماء اليمن برئاسة الزنداني الذي ظهر عليه أنه يضع رجلاً مع النظام وأخرى مع الشعب وهي مناورة مرفوضة من شيخ يعرف جيداً أن الله لا يرضى بأي ظلم.. الرئيس قال أن الحل للخروج من هذه الأزمة هو الرجوع لكتاب الله!. يبدو أن فخامته تذكر أخيراً أن هناك رباً يحاسب العابثين وآكلي أموال الشعب.. تذكر أن هناك مسئولية، لكنه ألقى بها على عاتق العلماء وهددهم "بسبابته اليمنى" أن الله سيحاسبهم على الفوضى التي يقودها المشترك.. مع العلم أن المشترك قرر دعم ثورة الشباب بعد خمسة عشر يوماً من اعتصام ساحة حرية تعز وتسعة أيام من اعتصام ساحة تغيير صنعاء!.
الرئيس قال بأنه ليس أصماً ولا أبكما.. ترى أين كان سمعه وصوته وأبناء الجعاشن يلقون الويل من شيخهم الذي شردهم ونهب ممتلكاتهم؟ أين كان سمعه وصوته حين تم السطو على أراضي الشعب العدني من قبل أصحاب النفوذ العسكري؟ أين كان سمعه وصوته حين الصرخات التي أطلقها أبناء زبيد وتهامة، والصرخات التي يطلقها المتسولون في الشوارع، والمناشدات التي نقرأ عنها يومياً في الصحف وكلها تطالب بدولة النظام والقانون؟
تساؤلات تبدو حمقاء بهذه الفترة التي تسبق سقوط الرئيس؛ أثق من ذلك.. ولكن ما أشكك به هو "اتقاء الله" من قبل علماء اليمن لأبناء الشعب اليمني الذي يحلم بدولة مدنية يحكمها القانون المستمد من كتاب الله الذي لأول مرة أرى رئيس الجمهورية يمسك به أمام شاشات التلفاز.
علماء اليمن هم الورقة قبل الأخيرة التي يلعب عليها الرئيس الآن ويثق أن لهم تأثيراً كبيراً على مجتمع متأثر بخطابات الدين.. علماء اليمن الكرة التي ركضها الرئيس "بقلق" نحو ميدان الشعب وينتظر أن يسجل هدفاً ويحسم النتيجة في صالحه عامين آخرين.. لكني أثق أن إرادة الشعب أكبر، وإن حدث وفاجئنا العلماء بأنه يجب على الشباب ألا يثير الفوضى ويعود إلى منازله فحتماً سنلقي عليهم الأحذية ونقول لهم اتقوا الله إن كنتم تعرفونه حقاً.
تكتيك رئاسي..
رئيس الجمهورية قال مراراً أن الشباب المطالب بتنحي الرئيس عن الحكم هم بلاطجة ومستأجرون، لكنه لم يكن قوياً بما فيه الكفاية ليفضح مصادر التمويل.. اليوم وبعد جلوسه أمس مع العلماء استمد القوة منهم وقال بغباء أن أميركا وإسرائيل تدعم الشباب! هذه القوة المستمدة أثارت مخاوفي حول طبخة سياسية ربما قام بإعدادها مع العلماء ليقفوا في صفه ضد الشعب..
سيادة الرئيس إن كنت تقرأ: نحن ولدنا أحراراً.. ولم نرضَ يوماً أن نكون أتباع لنظامك الفاسد، فكيف نرضى أن نتبع أنظمة خارجية ضد وطننا.. اليمن أغلى منك ومن علمائها.. وتأكد أننا سنظل مرابطون لساحات التغيير والحرية وساحات النضال السلمي حتى ترحل ويرحل معك نظامك.. ولن نخشى أوراقك الأخيرة حتى إن كانت ورقة "التقذييف"!..
الخميس 2011/03/03 لموقع ميدل ايست أون لاين
ليست هناك تعليقات :