عبدالرزاق
العزعزي:
ثلاثة أيام
يترقبها اليمنيون بخوف كبير وهي المدة التي ستفصلهم عن التواصل مع بعضهم والعالم
الخارجي؛ حيث ستتوقف خدمتي الاتصالات الانترنت بسبب انعدام مادة الديزل الذي تعتمد
عليه سنترالات المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية عند انقطاع الكهرباء.
ثلاثة أيام
فقط ويتم عزل اليمن دوليًا وداخليًا وعزل المجتمع نهائيًا عن التواصل مع بعضه
وتركهم مع خوفهم وقلقهم وجوعهم وعطشهم ومرضهم ونقمتهم من انقطاع الكهرباء وانعدام
الحياة واقتراب الموت واختفاء الأمل والابتسامة اليمنية التي اهتمت بها الشعوب.

إذن هي ثلاثة
أيام متبقية، قد تزيد وقد تقل، الأمر متعلق بتوفير الديزل أو عودة الكهرباء، ثلاثة
أيام كحد أقصى ولن تسمعوا عنّا شيء بعدها، قد نموت جوعًا أو عطشا أو بسبب ارتفاع
درجة الحرارة أو بعد اصابتنا بأي مرض خطير نتيجة تراكم القمامة في الشوارع، أو قد
نموت قتلا بصاروخ مرسل من طائرة أو بارجة تتبع السعودية أو برصاص عائد من السماء
كان يحاول -بكل غباء- اسقاط طائرة بعيدة جدًا، أو ربما نموت عمدًا بفعل رجل يدّعي
أنه الحق ونحن الباطل.
عاصفة الحزم
لم تنقذنا كما ادّعت؛ بل فرضت علينا حصارًا حرمنا استيراد الأكل، ورفعت أسعار كل
البضائع المتوفرة ورسوم المواصلات واستخدام مقاهي الانترنت وحلاقة الشعر، منعتنا
الاغتسال بعد انقطاع المياه، حرمتنا متعة قهوة الصباح حفاظاً على الغاز. منعتنا
مواصلة البحث عن أمل للحصول على عمل لتكوين أسرة فاعلة في المجتمع ومنعت عمال
الأجر اليومي من توفير مصاريف المنزل والأطفال الذين بداخله ويحلمون بمستقبلهم
الجميل.
نحن محاصرون
وبيننا وبين الموت غمضة عين، قد نموت في المنزل أو فوق الباص أو داخل مطعم حين نتناول
الافطار استعدادا ليوم جديد مليء بالصمت والخوف والبؤس والمعاناة -وأيضاً الجوع-
ورؤية الفقر في وجوه المتسولين الذين زادوا، أو عند التفكير بالغد؛ إن كان لنا غد.
كارثة قطع
الاتصالات والانترنت:
في مثل هذه
الأوقات ليس لدينا ونيس لنقضي لحظاتنا -سوى العلاقات الاجتماعية- فلا يوجد لدى أكثرنا
عمل أو وظيفة سيما بعد توقف الأعمال وتسريح الموظفين في القطاع غير الحكومي. يعني
هذا اننا سنكون وحيدون أثناء حرب نحن الخاسر الوحيد فيها ولن نربح أبدا مهما كانت
هوية المنتصر.
وفي حال كنت
واحد من اولئك الذين يعتمدون على أهاليهم في الخارج -أو العكس- ويرسلون لك
المصاريف فلن يكون هناك تواصل معهم بعد ايقاف خدمتي الاتصالات والانترنت في اليمن،
لن تكون هناك حوالات مالية واردة أو صادرة -وإن كانت فلن تعرف موعد وصولها ورقمها
أيضًا.
جرائم لن يتم
توثيقها:
ايقاف
الخدمتين سيكون سببًا لارتفاع حِدة الانتهاكات -سواء من تحالف عاصفة الحزم أو
تحالف الحوثي والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح- سيما أن التحالفان دمويان
واثنينهما لا يهتما بالمواطن اليمني ودمه وكرامته واحتياجه الإنساني للعيش والحياة
بكرامة ويُسر؛ لا يهتما إلا بمصالحهما فقط ولا شيء دون ذلك مهما سخروا منا وخدعونا
بما يقولون.
قد يكون تحالف
الحوثي وصالح هما من خططا لفرض هذه العزلة علينا وقتل اخواننا الرافضين لتمردهم
على الدستور والقانون، خططا له كيلا يتم ملاحقتهما دوليًا كمجرمي حرب وبتهمة
الابادة الجماعية، وقد يكون تحالف العاصفة هو المخطط لهذه العزلة لممارسة إبادة
جماعية بحق شعب كل ذنبه أنه ينتمي لبلد مجاور للسعودية التي خططت ودبرت ونفذت
الهجمة بليل كان يحوي ابتسامة لم تكد تختفي من شفاه الأطفال الذين كانوا يحلمون
بأن ينتهي عامهم الدراسي بتفوق كي ينتقلوا لعام جديد بعمرهم الذي زاد سنة أخرى
تمكنهم من التباهي به عند الأصغر منهم سنا.
أيًا يكن
الفاعل فلا فرق بين موتة وأخرى سوى انتهاء الحياة لدينا وبقائها للقاتل الذي لا
يستحق أن يبقى على حساب دمائنا.
استعدوا
للعزلة وضعوا أياديكم على قلوبكم لأنكم ستستمعون أخبار فقدان احبائكم، جففوا
الدموع واخزنوها فربما تستخدمونها لتبليل لسانكم عند شدة عطشكم وانعدام المياه، لا
تنسوا أن تشتروا الكثير من الكتب لتكون رفيقا لكم في عزلتكم القادمة بعد أن تتركوا
هواتفكم وأجهزتكم المحمولة وكل ما يتعلق تشغليه بالكهرباء أو الانترنت.
ليس تشاؤما
ولكن لا مجال للتفاؤل مادام الصراع قائم بين من يحاربون لنصرة الله وكلهم يعتقدون
أنهم الأحق بنصرته؛ خدمة لنفوذ سياسي واقتصادي يخص اطرافا تتلاعب بهم من خلف مئات
الكيلومترات -إن لم تكن الآلاف- من أي منطقة قد تشكل خطرا عليهم، ولا بأس إن
قادونا إلى الجحيم فنحن دوماً كنا نصفق لفسادهم.
الحوثي يشاهد
موتنا ويستمر في فتح جبهات قتال، كيف لا وقد قاموا بتأمين حياتهم مالاً وطعامًا ونفطًا
وأيضا لا يقيم في مدينة يموت أبناءها نتيجة الحر الشديد أو تبعد عن سوق الغذاء كثيرًا،
السعودية لا يجب أن تهتم بالشعب اليمني كونها لم تعطه أي اهتمام منذ أسسها
عبدالعزيز في بدايات القرن العشرين، لكن ما يبعث الألم هو عدم اكتراث الحوثي لما
سيحدث للشعب اليمني الذي يقاتله ويقاتل من أجله وأيضًا الذي تسبب في مقتله مؤخراً
أو قادمًا.
تستطيع حركة
الحوثي أن تعمل على توفير الديزل لسنترالات المؤسسة بدلًا من السطو عليه وتوزعه
لمقاتليها الذين يقتلون إخوانهم مهما اختلفت انتماءاتهم الجغرافية أو الفكرية،
تستطيع أن تنفذ مرضى الفشل الكلوي من الموت المُحقق، تستطيع أن تنقذ عائلات البحارة
الذين فقدوا أعمالهم ولا يجدون ما يأكلون، تستطيع أن تنقذ الشباب الذين يعتمدون في
دخلهم على السوق الإلكتروني مهما كان، تستطيع وتستطيع إلا أنها لا تهتم مطلقًا،
وترى أن موتهم مقابل أهدافها نصرة للحق! ولكن عن أي حق يتحدثون؟
عاصفة الحزم
تقتلنا، والحوثي كذلك، وهذا العالم ينظر لموتنا بصمت وربما بسخرية أيضًا!
إن هذا العالم
الذي ينظر إلينا بصمت وتأييد لما نعاني، سنرسم مواقفه على جدران الجحيم ونسخر منها
كلما أردنا أن نشعر بالتسلية، ثقوا من ذلك.
ليست هناك تعليقات :