Blogger templates

21 يناير 2016


طغت صورة عبدالله البرودوني أمام العالم كنموذج يمني تخطى الإعاقة لكن اليوم تطغى صورة أبو على الحاكم بدلاً عنه وصورة ناصر الوحيشي بدلًا عن جار الله عمر:
كيف ينظر العالم لليمن؟


 


يتساءل العالم: ما الذي يجري بحق الجحيم في اليمن؟ وبإمكانك اعتبار هذا التساؤل ترجمة مُخففة لطريقة لهجة العالم في تعامله مع ما يجري حاليًا في اليمن، إجمالًا العالم مصاب بالاستغراب والدهشة الممزوجتان بتوجس خطير جدا.
بهذا يستهل (فارع المُسلمي) حديثه في برنامج "وجهة نظر" الذي يقدمه الزميل (نبيل الصوفي) على قناة اليمن اليوم والتي تم بثها الأسبوع المنصرم.

صورة اليمني في العالم:
المُسلمي الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ورئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية؛ قدم رؤية عميقة عن نظرة العالم لليمن كدولة وسياسة وإنسان، ونظرًا لعلاقاته المتعددة التي تربطه مع سياسيين وصحفيين غربيين فقد واجه في العام 2006 -حينما كان طالبًا في الولايات المتحدة- إن أحدهم سأله: "من أين أنت؟" ليخبره بأنه من اليمن فيتساءل ذلك الشخص: "وأين تقع اليمن؟" ولكنه الآن حينما يُخبر أحدهم بأنه يمني يردون عليه (oh my god يا الهي) كرمزية للتعبير عن خوفهم من اليمني.
ومن خلال حديثه؛ يرى إن هناك عدة أسباب أدت لهذه النتيجة، يقول: "حينما تكون سياسي غربي فأنت ستأخذ سياسي بحسب درجة احترامه لنفسه واحترامه لمجتمعه المحلي وهذه الجزئية يفقدها السياسي اليمني الذي يتوسل انتباه الخارج ليس لحاجة تخدم البلد ولكن للحصول على شهادة حُسن سيرة وسلوك رديئة بسبب عدم وجود رقابة عليهم، لا رقابة حزبية ولا حكومية ولا شعبية".
وأفاد: "تقريبًا العام 1990 منذ تصويت اليمن في مجلس الأمم المتحدة التي أدت إلى ترحيل 2 مليون يمني من السعودية وأدت إلى أن العالم يتصرف مع اليمن على أنها بلد غير موجودة فتركوها جنبًا ومن ذلك الوقت حتى الآن لم يكن حتى مسئول أمريكي واحد رفيع المستوى زار اليمن، كانت هذه اليمن الذي يتكلم عنه والباحثين والأكاديميين على إنه متحف انثروبولوجي (علم الإنسان) جميل، ولو كان انتبه العالم في 1994 مثلا لليمن لكان الوضع مختلف، باستثناء مؤتمر أصدقاء اليمن الذي كشف للعالم أن اليمن بلا أصدقاء على الاطلاق".
ومن الأسباب التي أدت لتشويه صورة اليمني في الخارج؛ ما طرحها المُسلمي حينما أفاد أن القوى السياسية لا تتصارع على قضايا اليمنيين وحل مشاكله وقال: "لا يوجد أمعن من تشويه صورة اليمنيين أكثر من السياسي اليمني، تخيل أن الجهاز الدبلوماسي للجمهورية اليمنية من عام 2002 مبني رأسًا وهرمًا على فكرة تقديم اليمن للعالم بأنها قنبلة موقوتة فكيف تريد تحسين صورة اليمن وأنت من يقوم بتشويهها؟"
وأكد بقوله: " كلنا نعرف أن أي سياسي يمني نريد التخلص منه نقوم بتعيينه سفيرًا في الخارج، أهم جهاز في اليمن يتم التعامل معه بهذا الاستخفاف".
اليمن بلد المليشيات:
"لا يوجد أسوأ من أن تكون محامي سيء لنفسك" كان ذلك رده على سؤال الزميل الصوفي حين قال: "هل يريد العالم أن تكون اليمن هكذا، أم هذه في الحقيقة هي صورتنا".
قال بأن العالم لا يُمانع أن يقبل بالتفسيرات السطحية والجاهزة والمعلبة كأي وسيلة إعلامية بالعالم، لكن الدولة من تقرر وأيضًا المجتمع والنخبة يقررون كيف يتم تقديم أنفسهم بشكل أذكى، مثلًا: "في الجريمة الارهابية التي استهدفت طالبات مدرسة في رداع، بنفس اليوم كان هناك حادثة مشابهة في باكستان، اليوم التالي تقرأ ردة فعل وسائل الإعلام الغربية وردة الفعل الدولية، باكستان قدمت نفسها للعالم على أنها في مشكلة حقيقية متعلقة بالمدارس والاقتصاد، بينما اليمن عززت الفكرة النمطية على أن اليمن أنها وكر القاعدة؛ فقد توجه اهتمامنا بعدد القتلى والقاتل والمقتول".
قال بأنه لا يوجد بلد في العالم يعمل على تسطيح قضاياه وظواهره أكثر من اليمن وحين تكون أمام قارئ أو نخبوي أو دبلوماسي غربي فاليمن بالنسبة إليه حلقة صغيرة، ليس لديهم وقت ليعرفوا مشاكلها وتفاصيلها، وحين تحدثه عن اليمن يقول لك "ها زي أفغانستان" لأنه يبحث عن المقاربة السطحية التي تروج لها وسائل.
وأضاف إن القاعدة ليست فقط من تعمل على تشويه صورة اليمنيين ولكن الدبلوماسيين سببًا آخر بضاف إلى قائمة الأسباب، ويقول إن القاعدة حينما بدأت تزدهر في اليمن بدأ العالم ينتبه إلى اليمن فجأة ولكن على أنه ذلك المكان الذي يأتي منه المشاكل، وتعامل معها بناءً على ذلك النظرية.

اليمن في المجتمع الدولي:
تحدث المُسلمي عن المجتمع الدولي ومعرفته باليمن وقال بأننا نفترض واهمين أن الغرب يعرف ماذا يفعل في اليمن وهذا افتراض غير دقيق، مثلًا إيران والسعودية تعرفان عن اليمن أكثر من أمريكا وبريطانيا وتعرفان تركيبته وتعقيداته، ونظرة الغرب إلى اليمن قاصرة مهما تعمق في تعقيدات المجتمع اليمني ولا يمكن أن يفهمه بذلك العُمق الذي نفهمه نحن.
أشار إلى إن المجتمع الدولي بحث عن نموذج لحل النزاعات في الإقليم خاصة في دول الربيع العربي بعدما فشل في سوريا وليبيا، وخلال الأربع السنوات الماضية تم تقديم النموذج اليمني ووجد في اليمن فرصة للقيام بالواجب البديل لكن النموذج اليمني الذي كان في نيويورك مختلف عما يبدو في صنعاء، لم تكن الصورة في اليمن تتساوى مع تلك الصورة التي كان يرسمها الغربيين حول نجاح النموذج اليمني؛ لمجموعة من التعقيدات من ضمنها أن الصورة التي كانت حاضرة عن اليمن في الإعلام الدولي؛ كانت جمالية وردية بشكل مستفز ومرتبطة بأن ما يجري في اليمن هو عملية سياسية ناجحة.
وأشار إلى أن الساسة والنخبة في اليمن تواطأت حول كيف تتم الأوضاع وكانوا متحمسين لهذا النموذج البلاستيكي أكثر من الغربيين أنفسهم، مشيرًا أنهم من خدعوا اليمنيين وليس الغربيين، مضيفًا إن الأمم المتحدة وقفت بحذر حول دور اليمن في البداية بينما سياسيو اليمن "يشطحوا" في الخارج وهذا خلق فجوة وفرصة لتضليل الرأي العام الغربي الذي يعرف أن هناك صناعة نموذج قسري عبر آلية تستطيع أن تقول عليها ساذجة تشابه آلية التنمية البشرية التي تقول "كيف تغير حياتك في ثلاثة أيام" بينما تقسيم اليمن يحتاج إلى فترة طويلة.
وأفاد بأن العالم كان يجتمع ويتقاتل حول سوريا وبعدها بساعة يجتمعوا ليتحدثوا عن اليمن بلهجة مختلفة، كانت هيئة الأمم المتحدة قد أصيبت بانشقاق هز فكرة الأمم المتحدة التي تأسست عليها بعد الحرب العالمية الثانية وهي منع الحروب في العالم ودعم الديمقراطيات وحقوق الإنسان والحريات فتهشمت هذه الصورة بالإجمال عند العالم وعند المجتمع الدولي نفسه عن الأمم المتحدة وحاول خلال اليمن أن يقدم أنها فكرة نموذجية.
وعن بيان مجلس الأمن الأخير قال بأنه "منطقي وقوي ومتزن" لكن كان هناك معارضة على مجلس الأمن لعدم قوله أن ما يحدث في اليمن هو انقلاب، وهذا صحيح فلا يمكنك أن تفكر بأن ما حدث في اليمن خارج سياق الانقلاب؛ لكن إذا قال مجلس الأمن إن ذلك فهذا ينعكس عليه مجموعة من الإجراءات القانونية والدستورية ملتزمة بها تلك الدول أمام ناخبيها، مثلًا تقوم بقطع مباشر للعلاقات وكل المعونات، ولنعتبر أن تلك الاجراءات ليست مشكلة ولكن ماهي إجراءات اليمنيين للبناء على ذلك؟ القصة هي البحث عن الشعور بالغلبة بشكل لا علاقة له باليمنيين.

اليمن بعد 2011:
في 2011 عرف العالم ماذا يريد من اليمن وكان لدينا وما زال -ولو بحد أدنى- تحويل هذا الاهتمام العالمي إلى فرصة لتحقيق أهداف اليمنيين فتغيرت النظرة قليلًا خاصة حينما خرج الناس إلى الشوارع والساحات ولكن بدلًا عن ذلك تم تقديم صورة اليمن على أنها قنبلة موقوته.
وبحسب ما جاء في المقابلة فإن ما حدث بعدها هو نقطة التحوّل وذلك بإقرار "بقانون الحصانة" بغض النظر عن تفاصيله لكنها محاولة براجماتية (مصطلح سياسي يقصد به النفعية) رديئة وفاشلة لمقايضة العدالة -يقصد أن اليمنيين لم يخرجوا يطالبوا بحصانة- ولكن تأثيره الدولي أنه عزّز من نماذج العنف داخل البلد وتم ابعاده عن أي فرصة للرقابة والمحاسبة حتى القانونية، وهذه أول مرة في تاريخ العالم يتم فيها شرعنة عدم المحاسبة.
وعن التسوية السياسية قال إنها أتت في سياق مختل وعناصر الاختلال تتمحور في عدم تمثيلها لقضايا اليمنيين ولم تعالج ظاهرة المشكلة من جذورها، أتت لتعالج مشاكل ليست بمشاكل الناس ولم يكن هناك تشخيص سليم من البداية لذلك كم خرج من اليمنيين ليتظاهر بحثًا عن دستور؟  لكنهم تظاهروا بحثًا عن حل القضية الجنوبية مثلًا.

اليمن وخطر العُزلة الدولية:
المُسلمي قال إن مغادرة أغلب الدبلوماسيين الغربيين من اليمن كان بعضه مرتبط بالقاعدة ولم يكن أكثره مرتبط باستلام الحوثي للسلطة؛ وذلك بسبب التخوف من عدم حمايتهم، مشيرًا إن هذا أهم شيء دفعهم للمغادرة.
وأفاد بأن عواقب هذه المغادرة تمنح العالم فرصة للقول إن اليمن بلد المليشيات؛ لتخفف من مسئولياتها الأخلاقية والسياسية والأمنية، مشيرًا إن المجتمع الدولي قاد اليمن إلى الكارثة خلال الأربع السنوات الماضية وبهذه التصرفات الجديدة فإننا نقول له "رحلك ولا عليك أي مسئولية، وهذا استهتار كبير جدًا".
وأشار بقوله: "العزلة الدولية تمنع عنا مئات الملايين من الدولارات، وفي حال أرادت السفارات فتح أبوابها مجددًا فهناك عدة إجراءات إدارية بيروقراطية (مصطلح سياسي يعني إجراءات قانونية صارمة) قد تأخذ سنين لتعود فتح أبوابها مجددًا" وأضاف: "كان هناك توجس عن اليمن ونحن الآن نعزز من ذلك التوجس بأن اليمن بلد مليشيات".
واستطرد بإن المجتمع الدولي لم يعمل على تحسين أداء الحكومة الانتقالية ولم يُحسّن من أداء شروط العملية السياسية بل عزز من العمل السابق بشرعنته، مشيرًا بأن ظهور الحوثي استكمل ما تبقى من الهامش المحدود الذي كان بالمكان إصلاحه وأنهاه وقتله، والخطأ الكبير في هذا أنه يُعزز من الصورة النمطية عن اليمن أمام العالم بأنها قنبلة موقوتة وإذا لم يكن قاعدة فهو حوثي.
وأكد بأن المجتمع الدولي معني بحل مشكلة اليمن وكما يقول المثل الأمريكي "إذا كسرته فتحمل مسئوليته" وهو يبحث عن تفسيرات بسيطة لفشله في اليمن لذلك يعمد على تحميل النظام السابق المسئولية كنوع من التسطيح السهل الذي من الممكن أن يقبل به الناخب في الخارج، مشيرًا إن المجتمع الدولي لا يريد أن يعترف بأنه كان يسير في الاتجاه الخاطئ ولا يستطيع أن يتحمل نتيجة هذا الاعتراف كونه إدانة له.
وأشار بأن اليمن قادرة على العودة مجددًا في حال عملت على الضغط العربي والمحلي والشعبي للحديث عن تسوية روسية أمريكية ليس لاستخدامنا كوقود لصراعاتهم في المنطقة وإنما كيف نعمل معًا من أجل تحقيق مصالحنا المشتركة.

قفشة:
في الحوار الذي استمر أربعين دقيقة والذي حاولنا التركيز على أهم ما جاء فيه تحدث المُسلمي عن أخطائنا كيمنيين وسياسيين وجماعات وأحزاب ودولة، والأهم من ذلك عن أخطاء القائمين على وسائل الإعلام التي تؤجج الصورة النمطية لليمن كونها بلد المليشيات، حديثه يُوحي بأن الخلل في اليمن بدأ في سياسة التجهيل التي صنعها سياسيون غير محترمين لليمنيين الذين بدورهم قدّسوهم على حساب حقوقهم الإنسانية وكافئوهم بدلًا عن محاسبتهم.
لاسيما إنه سابقًا كانت هناك مجموعة من الباحثين والأكاديميين الغربيين -غير المهتمين بالسياسة- يتحدثوا على اليمن بشكل جميل، كانت تطغي صورة عبدالله البرودوني أمام العالم كنموذج يمني، وأصدرت الأمم المتحدة طابع باسمه كشخص تخطى الإعاقة، لكن اليوم بدلًا عن صورة البردوني في العالم تطغى صورة أبو على الحاكم، وبدلًا من أن تطغى صورة جار الله عمر تطغى صورة ناصر الوحيشي وهذه النظرة مرتبطة بالقلق".

..
*تم نشر المادة في مارس 2014

عن المدون عبدالرزاق العزعزي

صحفي من اليمن، مهتم بالقضايا المجتمعية
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد