Blogger templates

26 مايو 2016

عبدالرزاق العزعزي:

بالكاد انتهينا من احتفالنا باليوم العالمي لمرضى التوحّد، حتّى نتفاجأ بقرارات صادرة عن عبدربه منصور هادي، الرجل الذي يطلقون عليه "الرئيس الشرعي" في بلد لم يعد فيه شيءٌ شرعيٌّ سوى القتل.

الزّميل "عبدالسلام الشعيبي" الذي تعرّض للتعذيب في زنازين الأمن السياسي أثناء حكم صالح بسبب فرضيّات ونظريّات مختلفة، رأى، في جلسة شاي، أنّ "الرئيس هادي يعاني من التوحّد"، مضيفاً أنّ "الإنجليز قامو بتدريبه جيداً". لم يكن حينها اتّهاماً يحمل واقعية، حتى ظهر لنا الرئيس السابق علي عبدالله صالح في خطابه المتلفز الأخير؛ ليتّهم هادي بأنّ هناك خللاً في رأسه! اتهام صالح قد يُمنطق اتّهام الشعيبي قليلًا، ويجعله قريباً من الواقعية لسبب واحد: أنّ صالح يعرف هادي جيداً ولذلك أبقاه نائباً له، وجعله اليد الأمينة التي من المفترض أن تنقذ اليمن من السّقوط للهاوية.
لم يكن هادي "اليد الأمينة"، ولكنّه انقلب على اتّفاقه غير المعلن مع صالح. جيّدٌ جدّاً لأنّ صالح كان يخطّط لإعادة نجله أحمد كما تثبت الشواهد المختلفة، لكنّ غير الجيّد أنّ هادي انقلب أيضا على المبادرة الخليجية التي قضت بانتخابه رئيساً شرعيّاً لعامين كفترة انتقالية، كان يعمل جاهداً على أن يبقى رئيساً لفترة أطول، تمثّلت هذه الأعمال بالتزام الصمت حيال حوادث الإغتيالات، التي طالت شخصيات تمثّل ثقلًا وثقةً لدى جميع الأطراف، وبإمكانها أن تلعب دوراً سياسيًاً مهمّاً في التنسيق بين وجهات نظر المختلفين في الرأي.
تمثّلت أيضاً في التعيينات العشوائية والخادمة لطرف دون الآخر؛ التي قام بها ولاقت أغلبها اعتراضاً من الشارع وخرجت مسيرات عديدة ترفضها، كقرار تعيين "جبران صادق باشا" وكيلاً مساعداً لمحافظة إب لشؤونها المالية والإدارية، وتجاهل خلفيّة ومسيرة الرجل قبل احتجاجات 2011.
تمثّلت كذلك في التعيينات العسكرية التي قام بها هادي، حيث عيّن من أقاربه ومنطقته القبلية، خلال 10 أشهر فقط، نحو 182 قائداً عسكريّاً في مختلف المستويات القيادية، بينهم أكثر من 25 قائداً عسكريّاً من المستويات القيادية العليا في الجيش، بشكل تجاوز فيه سياسة صالح، الذي عيّن خلال فترة حكمه نحو 250 قائداً عسكريّاً من أقاربه ومن منطقته القبلية.


إلى جانب ضعف شخصيته، لم تكن أفعال هادي وقرارته مؤثّرة في الشارع اليمني، الذي كان ينظر إليه على أنّه رئيسٌ جاء بعد ثورة تلبّي تطلعّات الجماهير لقيام دولة مؤسّسات، ولأنّه كان رئيساً انتقاليّاً، فلم يكن يهتمّ بما يحدث في الشارع. وبعد كلّ جريمة أو حدث إجرامي كبير كان يكتفي بتشكيل لجنة للتحقيق، هذا ما يستطيع فعله، لتتحوّل الرئاسة في عهده إلى ما يشبه منظّمة مجتمع مدني محلية تطالب وتناشد عبر وسائل الإعلام ليس إلّا.
منذ انتخابه كمرشّح توافقيٍّ وحيد، يظهر لنا الرجل بقراراتٍ لا تبدو أنّها تهمّ الجميع بقدر ما تهمّ شخصه وفصيلاً محدّداً. لو نظرنا مثلا لوزير الإعلام، محمد القباطي، الذي قام بتعيينه لوجدناه أسوأ من يقدّم اليمن عبر وسائل الإعلام. ولعلّنا نتذكر حادثة مغازلة معالي الوزير لمذيعة قناة الحدث "نجوى قاسم" على الهواء مباشرة. وزير إعلام لحكومة شرعية لا يملك معلومات عمّا يحدث في الشارع، لكنّه اهتمّ بالظهور على القناة من أجل "نجوى"، لم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة ولكن بمجرّد البحث في يوتيوب ستصادف المزيد من السخرية لتجعلك تتساءل: "كيف يختار هادي أتباعه، ما هي معاييره؟". ولا ننسى وزير الدفاع السّابق محمد ناصر أحمد الذي قام بتأييد الحوثيين، بصمته، منذ بدء المعارك في دماج حتى وصولهم صنعاء.
هادي يغضّ النّظر عمّا يحدث في الشارع، فقط من أجل أن يبقى رئيساً وبعيداً عن الخطر، ولو لم يكن كذلك لاهتمّ بالتفاف الناس حوله وتأييد المجتمع الدولي له. كان ليختار فريقه بعناية، بالتّنافس وليس القرب، بالكفاءة وليس التوزيع، بالعمل من أجل اليمن وليس الحزب أو الذاتية.
شخصيّاً، لا أتوقع أن تكون معاييره هي خدمة الوطن بقدر ما تخدم بقاءه كرئيس لفترة أطول. ومن هذا المنظور فقط، يمكنني ترجمة قرار تعيين "علي محسن الأحمر" نائباً للرئيس وازاحة المهندس "خالد محفوظ بحاح"، الذي كان مقبولاً لدى كل الأطراف. وأن تكون مقبولاً في اليمن، يعني أنك تهدّد موقع الرئيس هادي، وبقاءه كرئيس لأطول فترة ممكنة، وربّما كرئيس مدى الحياة. 
عبدالرزاق العزعزي
..

عن المدون عبدالرزاق العزعزي

صحفي من اليمن، مهتم بالقضايا المجتمعية
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد