Blogger templates

27 مايو 2016

عبدالرزاق العزعزي:

ا ف ب
إحتضن الإنترنت ردود فعلٍ مناهضة للحرب في اليمن، لم تكن مُتاحة في حروبٍ أو أزمات سابقة. وخلال عام من الحرب، أفرزت وسائل التواصل الإجتماعيّ صفحات وحسابات مناهضة للحرب، تكتسب شرعيّتها من فكرة بناء الإنسان وليس قتله، والوقوف ضدّ الحرب دومًا مهما كانت مبرّراتها.

المؤيدّون لغارات "التحالف العربيّ" أطلقوا لقب "المحايدين" على مناهضي الحرب وأطرافها جميعًا، سخروا من حيادهم بشكل متكرّر وعلى صعيد واسع، تعدّى الأمر إلى تصنيفهم واحتسابهم ضمن العاملين مع حركة "أنصار الله"، لرفضهم الإعتراف بـ"أحقّية" التحالف، الذي اعترف بوجود غارات تسبّبت في مقتل ضحايا مدنيّين، وتدمير ممتلكات عامة.
وبين غارات التحالف وقذائف الهاون التي تطلقها جماعة "أنصار الله" لأكثر من عام، لم يتحقق أيّ تقدّم للمواطنين اليمنيين، عدا انقسام مجتمعيّ، وازدياد عدد القتلى، واشتعال الفوضى، وافتقاد بلادهم إلى الخدمات العامّة التي من المفترض أن تقدّمها السلطة، إلّا أنّ استمرار الحرب يُدّ مبررًا مقنعًا لإعفاء السلطة من القيام بجميع واجباتها دون أيّ احتجاج.
منابر للدعوات السلميّة
صفحات تواصل اجتماعيّ جيشت نفسها لفكرة مناهضة الحرب، يقول عنها الفنان عمر سعد، لـ"العربي"، إنّها "أصوات تطغى على ما يسمعه ويعرفه الآخرون عن اليمن".
يتحدّث عن كونها "صفحات للدعوات السلميّة التي تحاول إيصال صوت الغالبية العظمى الرافضة للحرب، والمطالبة بوقف القتال وإيقاف القصف الذي يعمل على إنتاج مظاهر تجويع وتهجير وتدمير".
هي وسائل إعلامية مهمّة، ليعرف العالم ماذا يحدث في اليمن، ويتلقّاها كرسالة محايدة لا تنتمي لأيّ سياسة بقدر ما تنتمي للإنسان، لكنّها لا تحصل على تمويل، لذلك تبقى رسالة محدودة المتابعين، وفي الوقت الذي تبدأ فيه بحصد متابعين، تتمّ مواجهتها من الأصوات الداعمة للحرب واتّهامها بـ"الحياد".
في هذا السياق، يشير سعد إلى أنّ "أصوات الحرب تعمل على تحريك سوق السلاح والسيطرة على المنطقة، بينما صوت إيقاف الحرب بلا سلاح"، ويفترض أنّ "تعرّض اليمنيّين للموت سيستمرّ بقدر استمرار الحرب وبقاء زعمائها في السلطة، ولا يوجد أيّ قوّة تستطيع فرض نفسها على الواقع".



مقاومة بيضاء
خارج نشرات الأخبار الرسميّة عن اليمن يمكن التحدّث بحريّة، بلا قيود؛ بعكس داخلها، لا يتحكّم بها أيّ مصدر سوى الرغبة في الحياة بسلام وأمان، لا تستطيع حمل سلاح سوى الكلمة، لا تريد أن تقتل سوى الإحباط وتشويش الأفكار الداعمة للحرب وتخوين الآخر، قد تتحدث بعنف أو بسلاسة، لا يهمّ، المهمّ أنّها تدعو للحياة، للعيش، لا تدعو للموت أو القتل.
إنّها مساحة بيضاء رفعت رايات السلام في وجه الحرب والمتحاربين، وهي تدرك ألّا أحد سيهتمّ بها، لذلك أرادت أن تحشد الناس ضدّ الحرب؛ كمقاومة بيضاء لا تستجيب للغة الدم والقتل.
"أفكار ضدّ الحرب"
في إحدى الحسابات الخاصة على الفيس بوك، ثمّة سلسلة من المنشورات التي تتحدّث عن قضيّة واحدة: "#أفكار_ضد_الحرب". هي سلسلة مستمرّة منذ ثمانية أشهر تجاوزت عدد منشوراتها الـ500. وبلغة بسيطة وعدد حروف أقلّ من نظيراتها، تُناهض الحرب في اليمن.
الحساب خاصّ بالمدوّن والناشط الإجتماعيّ صدام مطيع، وهو شابّ يمنيّ تخلّى عن نشاطه منذ 2009، بسبب ظروف العيش، ليعود عبر حسابه على الـ"فيس بوك": "Saddam motea"، مقاومًا للحرب عبر منشورات متكرّرة.
تقول إحدى منشوراته: "منذ ما يزيد عن سبعة أشهر والكتابة ضدّ الحرب تحتجزني تمامًا، أنام على وجع فكرة، وأصحو على أمل اكتشاف دهشة أخرى. إنّه ألم أيضًا أن تطارد رائحة العنف في ثيابك، كلّما وضعت إصبعك على مسامّ حرب، يتَشَكَل ثقب بحجم رصاصة على جدران قلبك. إنّه ألم أيضًا أن لا يكون بوسعك، أمام وطن يموت، سوى الكتابة. منذ ما يزيد عن سبعة أشهر وأنا أكتب ضد الحرب، لكنني ما زلتُ أشعر بالخجل، لأن اليوم، صار عمر الحرب عامًا".
عن "أفكار ضدّ الحرب"، يقول مطيع، لـ"العربي"، إنّها "سلسلة أفكار لمناهضة الحرب كمسار للتغيير وكثقافة حياة في المجتمع، دعوة للتعايش والسلام والإحتفاء بالتنوّع، محاولة لفضّ تعاطفنا وتصالحنا وتعايشنا مع العنف، ودعوة لفك ارتباط أحلامنا بالإنتصارات العسكرية، وخطوة في اتّجاه ترسيخ عقلانية مجتمع وإسقاط ثقافة أثمرت كلّ هذه العتمة".
ويتابع: "لقد دفعتني الحرب للكتابة بطريقة لارا فابيان في الغناء، أن تراهن على الصدق والإحساس بالألم للوصول إلى الناس".



الكتابة ضدّ الحرب... إلتزام ذاتيّ
يلفت مطيع إلى أنّ "الكتابة ضدّ الحرب تحوّلت إلى "شكل للإلتزام الذاتيّ الذي بوسعي القيام به، وشكل للإستجابة المتاحة والممكنة التي تفرضها المسؤولية الأخلاقيّة أمام الصراع الدائر منذ أكثر من عام"، زائداً أنّه "قام بتحديد طبيعة القراءة الرقميّة كشكل لمثل هذه الأفكار: فكرة واحدة في نصّ لا يتجاوز غالبًا حجم رسالة نصّية قصيرة (SMS)، لكنّ طبيعتها ظلّت مفتوحة: إنطباعات عامّة لا تتوقّف عند مجال محدّد، من الدين إلى المجتمع إلى التأريخ إلى أفكار حول المستقبل".
قدّم مطيع عبر منشوراته محتوى رقميّاً جديداً لدعم السلم ومناهضة العنف، يسهل الوصول إليه وتبادله، وكان للتجربة تأثيرها في المجتمع المحلّيّ، حيث قامت "مؤسّسة ضمانات لحقوق الإنسان" بتحويل بعض المنشورات إلى صور، وهكذا سهل على المتابعين تناقلها عبر تطبيق "واتس آب".
"حتّى إذا لم يكن بإمكاننا ايقاف الحرب سنظلّ نناهضها، كي تكون لنا قرابة بالإنسان"، هذا ما يختم به مطيع حديثه لـ"العربي"، ليبدو أنّ الكتابة تحوّلت لديه إلى فعل مقاومة مستمرّ، ومع كل منشور، هناك رائحة وجع وشعور محزن يجعلك تشعر بأنّك في واقع يمنعك من فعل أي شيء ما دمت وحيدًا. يقول الصحافيّ أشرف المرقب لـ"العربي": "صوت الوجع وضجيج الحرب يوقظ فينا همّة متابعة الطريق بحثًا عن السلام، الذي قد يأتي بنضال الكلمة وهي أرقى أساليب المقاومة، وسلسة "أفكار ضد الحرب" هي مساحة تُعبّر عن مدى تطلّعنا ليمن يسوده المساواة والتنوّع والحبّ والتعايش".

..
منشور في موقع العربي

عن المدون عبدالرزاق العزعزي

صحفي من اليمن، مهتم بالقضايا المجتمعية
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد